دكتور منير شكرى 1908-1990

مؤرخ كنسى قدير وطبيب سكندرى بارعShoucri

نشأته والوظائف التى تقلدها

ولُد فى 19 مايو 1908 بمدينة القاهرة وكانت والدته تنتمى إلى عائلة جندى بك يوسف قصبجى أحد رواد حركة الإصلاح القبطى فى القرن التاسع عشر والتى دعت إلى تكوين أول مجلس ملى عام 1874. وتدرج فى مراحل التعليم المختلفة بالإسكندرية حتى حصل على شهادة البكالوريا من المدرسة العباسية الثانوية عام 1927. ثم ألتحق بكلية الطب بجامعة القاهرة (فؤاد الأول فى ذلك الوقت ) وحصل على البكالوريوس عام 1935. وفى أثناء دراسته بالطب كان يتردد على مدرجات كلية الآداب جامعة القاهرة ليقف مستمعا مستمتعا بمحاضرات الدكتور طه حسين عميد الأدب العربى والأستاذ بالجامعة فى ذلك الوقت.

بدأ حياته كطبيب سنة 1937 بمستشفى المواساة بالإسكندرية التى كان يرأس جمعيتها المرحوم فهمى بك عبد المجيد وكان رئيس قسم الأمراض الباطنية بها هو الدكتور إبراهيم عبد السيد نجل الأستاذ ميخائيل عبد السيد مؤسس جريدة الوطن. وفى 3 يناير 1940 سجل الكتور إبراهيم عبد السيد الشهادة التالية عن الدكتور منير شكرى حيث قال:”يسرنى أن أذكر انه حين كلُفت بقسم الأمراض الباطنية بمستشفى المواساة مدة من الزمن تناهز السنتين أو تزيد كان يعاوننى فى عملى الدكتور منير شكرى وقد أتُيح لى طوال هذه المدة أن أقدر ما كان عليه هذا الطبيب من جدارة ممتازة وحسن اعتناء بالمرض وتنظيم للعمل فكان مثالا للكفاءة العظيمة والسمحة والإخلاص فى عملة الفنى ويسرنى كثيرا أن ينتفع الجمهور بمثل هذه الصفات النادرة والخلال العظيمة”. وفى عام 1940 أنشأ عيادة حمإلى الجمارك بالإسكندرية وعمل فيها فترات مختلفة من حياته ثم أشتغل فترة فى الصحة المدرسية إلى أن أفتتح عيادته الخاصة بشارع سعد زغلول بمنطقة وسط البلد بالإسكندرية وهى المنطقة التى كانت محجا لكثير من الباحثين والمهتمين بتاريخ مصر والدراسات القبطية. أما الدكتور منير فكان يجيد اللغة العربية الفصحى بجانب اللغات الإنجليزية والفرنسية مما ساعده على الاطلاع والإلمام بالثقافتين.

نشاطه فى مجال خدمة الكنيسة

عام 1943 حضر للإسكندرية راهب تقى هو القمص مينا البراموسى المتوحد الذى صار فيما بعد – عام 1959 – البابا كيرلس السادس. وتوجه  لمقابلة الأثرى بانوب حبشى وعرض علية فكرة أقامة الشعائر الدينية والإقامة بدير مارمينا  بمريوط . كان هذا اللقاء بمثابة الإلهام لبزوغ فكرة تكوين “جمعية مارمينا العجايبى”بالإسكندرية فقد أتفق الأثرى بانوب حبشى والدكتور منير شكرى مع نخبه قليلة من المفكرين الأقباط بالإسكندرية على تكوين جمعية ثقافية للمساهمة فى أحياء معالم التاريخ القبطى المهمل، والذى يمثل جزءا هاما من تاريخ مصر القومى. فكانت فكرة أقامة جمعية ثقافية قبطية، هى بداية صدور مئات المؤلفات التى تعتبر من أثمن ما كتبة الأقباط فى تاريخنا الحديث مما كان له أثر عظيم فى النهضة القبطية المعاصرة الهادئة. وقد تأسست الجمعية عام 1945 وكان يرأسها الأثرى بانوب حبشى حتى وفاته عام 1955 ثم خلفه دكتور منير شكرى فى رئاستها حتى عام 1986 حينما منعته ظروفه الصحية القاهرية من مواصلة عملة وأداء رسالته. وابتداء من عام 1947 بدأت الجمعية فى إصدار رسائلها فى الدراسات القبطية فى الوقت الذى كان فيه هذا المجال مجهولا فأشترك فى تحريرها نخبة من كبار المفكرين الأقباط مع الدكتور منير شكرى الذى وجه موهبته الفذة فى الكتابة ليسهم فى تحرير جريدة “مصر” منذ عام 1955، مجلة “مدارس الأحد” منذ عام 1955، جريدة “وطنى” منذ عام 1966، مجلة “مرقس” عامى 1971، 1977. وفى عام 1962 أصدر كتاب ” أديرة وادى النطرون ” الذى هو الرسالة السادسة من رسائل الجمعية، وفى عام 1978 أصدر كتاب “القديس اثناسيوس الرسولى” الذى هو الرسالة الثامنة للجمعية. وفى عام 1981 أشترك مع الدكتور عزيز سوريال فى إصدار الرسالة التاسعة للجمعية بعنوان “عبقرية الأنبا باخوم”.

فى نهاية أربعينيات القرن العشرين عمل الدكتور منير شكرى بالتعاون مع القمص منصور البراموس وكيل البطريركية بالإسكندرية فى ذلك الوقت ( صار فيما بعد الأنبا إيساك مطران البحيرة والغربية )، والأرخن الفاضل منصور قلادة انطوان على نقل أربعة أعمدة من كنيسة مارمينا الأثرية بمريوط لوضعها حول مذبح كنيسة مارمينا بفلمنج بالإسكندرية والتى تم تكريسها عام 1948. وقد ساعد جمعية مارمينا فى تنفيذ ذلك المرحوم الدكتور طوجو مينا مدير المتحف القبطى والمرحوم الأستاذ شفيق غربال وكيل وزارة المعارف حينذاك. وفى خمسينيات القرن العشرين أسند الأب الورع القمص متى المسكين – وكيل البطريركية بالإسكندرية فى ذلك الوقت – مادة التاريخ الكنسى للدكتور منير شكرى ليقوم بتدريسها لطلبة الكلية الاكليريكية بالإسكندرية.

صدى مطبوعات جمعية مارمينا

فى 7 يوليو 1948 سطر الدكتور يوسف اسكندر الصيدلى الذى صار فيها بعد القمص متى المسكين رسالة من كنيسة مارمينا العجايبى بمصر القديمة والتى كانت تابعة لدير الأنبا صموئيل بمغاغة والذى كان يرأسه القمص مينا البراموس المتوحد، سطر رسالة إلى الأستاذ بديع عبد الملك غطاس جاء فيها: “… وقد أعجبت أنا والراهب مكارى الذى سبقنى إلى الرهبنة بشهرين وهو الأستاذ سعد عزيز المحامى سابقا وموجود معى فى نفس المكان بالكتاب الأخير من سلسلة أبحاث جمعية مارمينا وهو الرهبنة. وكذلك بسؤال الأستاذ مراد كامل علمنا أن الجمعية نشيطة ولها إنتاج قيم… ” وفى عام 1970 عندما أصدر الدكتور حسين فوزى الطبعة الثانية من كتابه “سندباد مصرى” أرسل نسخة هدية للدكتور منير شكرى فى 15 سبتمبر 1970 صدرها بأهداء بخط يده قال فيه ” إلى الأخ والزميل الكريم الأستاذ الدكتور منير شكرى اعترافا بفضله العميم على الثقافة القبطية وبفضل رسائل مارمينا على هذا الكتاب” وفى عام 1985 عندما أصدرت المؤرخة الكنسية القديرة الأستاذة إيريس حبيب المصرى الكتاب السادس من “قصة الكنيسة القبطية، سجلت عن جمعية مارمينا ما يلى:

“… ولقد ساندتهم نعمة الله فتمكنوا من إصدار سلسلة من الرسائل تحتوى كل رسالة على مجموعة مقالات غاية فى الأهمية بأقلام كبار العلماء القبط. كذلك أصدروا عدة مؤلفات كان لها اكبر الأثر فى تاريخ الحركة الثقافية فى مصر…”

شجاعته فى المجاهرة بالحق

فى عام 1971 فى فترة الترشيحات للبطريركية كان نيافة الأنبا انطونيوس مطران سوهاج وقائمقام البطريك قد تقدم بترشيح نفسه للكرسى البابوى. فبادر الدكتور منير شكرى بإرسال رسالة خطية له فى 12 أبريل 1971 من صفحتين وكان مما جاء فيها:”…أرجوا أن تسمحوا لى بالتقدم إلى مقامكم لأعرض على مسامعكم صوت التقليد والطقس والتاريخ فى انتخاب بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، ورب الكنيسة يهدينا جميعا إلى سواء السبيل”. وبعد ان عرض علية صوت التاريخ الصادق ختم رسالته بقوله:”…لنضع نصب أعيننا صالح الكنيسة وتقاليدها التى نفخر بها ونباهى على سائر الكنائس ثم مسئوليتنا نحو الأجيال المقبلة: هذه صرخة أن تذهب اليوم مع الريح تذهب غداً بالأوتاد. فليكن عهدكم كعهد سلفكم الطقس العظيم الأنبا اثناسيوس القائمقام عام 1957 الذى أصر على أن يكون الانتخاب وفق تقاليد وطقوس وقوانين الكنيسة. والله قادر أن يرشدكم لما فيه الخير”. وكان نتيجة هذه الرسالة أن أعلن الأنبا انطونيوس قائمقام البطريرك أنسحابه من الترشيح للكرسى البابوى احتراما للتقاليد الكنسية العريقة وحرصا على صالح الكنيسة. وقد أعلن ذلك بجريدتى الأهرام ووطنى.

مساهمته فى الموسوعة القبطية

توج الدكتور منير شكرى أعمالة المجيدة بعمل قومى رائع عندما ساهم مساهمة فعالة فى تحرير الموسوعة القبطية العالمية التى أشرف عليها الأستاذ الدكتور عزيز سوريال عطية بالاشتراك مع هيئات دولية فمن الموضوعات التى ساهم فى الكتابة فيها: البابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح القبطى – البابا مكاريوس الثالث – انتخاب البطريرك فى كنيسة الإسكندرية – الحركات الإصلاحية فى العصر الحديث – دير القديس مينا بمريوط – بالإضافة إلى بعض شخصيات نوابغ الأقباط فى العصر الحديث. وقد صدرت الموسوعة القبطية عام 1991 فى ثمانية أجزاء وقامت بنشرها دار ماكميلان العالمية للنشر.

غروب شمس الحياة

فى اليوم التالى لعيد القيامة المجيد 17 أبريل 1990 أنطلقت نفسه بسلام بعد فترة من المرض كان يردد خلالها المزامير عن ظهر قلب. وهو بهذا الجهد المشرف الذى بذلة فى خدمة الوطن والكنيسة يذكرنا بسيرة أولئك الآباء القديسين الذين زخرت بهم الكنيسة القبطية فى عصورها الذهبية. بالحقيقة كان صفحة مضيئة من صفحات تاريخ القبط.

المراجع:

1-     دكتور منير شكرى المؤرخ الكنسى وعالم القبطيات: رسالة أصدرتها جمعية مارمينا فى تذكار الأربعين(1990)

2-     قراءات فى تاريخ الكنيسة المصرية للدكتور منير شكرى – رسالة جمعية مارمينا الرابعة عشر – (1993)

No comments yet.

اترك تعليقاً